كان الرسول عليه الصّلاة والسّلام لا يتوانى عن أيّ فرصة لدعوة أهل الكتاب إلى الإسلام، وكان لطيفاً، رحيماً أثناء دعوتهم إلى الدين…
محمد السيد
قدّم سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في التّعامل مع غير المسلمين من أهل الكتاب؛ فعندما أسسّ الرسول عليه الصّلاة والسّلام الدولة الإسلاميّة في المدينة المنورّة، وامتدّت بقاع الإسلام في كل مكان، أصبح التعامل مع أهل الكتاب واجباً على المسلمين، ولكن ضمن إطار وثوابت شرعيّة حددّها الله عز وجل، وامتثل لها الرّسول عليه الصّلاة والسّلام، وهي التعامل معهم بالبر، والقسط، والحزم، ما لم يتم نقضاً للعهود. قال تعالى: “لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ” (الممتحنة:8)
و سوف أقدم بعض الأمثلة التي تبين إحسان وفضل الرسول عليه الصّلاة والسّلام مع أهل الكتاب.
-
تأليف النبي لقلوب اليهود و النصارى
كان الرسول عليه الصّلاة والسّلام لا يتوانى عن أيّ فرصة لدعوة أهل الكتاب إلى الإسلام، وكان لطيفاً، رحيماً أثناء دعوتهم إلى الدين، وفي بداية قدومه عليه الصّلاة والسّلام إلى المدينة كان يوافقهم على بعض عاداتهم ليُؤلّف قلوبهم على الإسلام.
-
منح حرية اختيار الدين
قبِل الرسول عليه الصّلاة والسّلام أن يعيش اليهود والنصارى مع المسلمين في داخل المدينة، وأقرّ لهم حقوقاً تحميهم، وتكفّل بتطبيقها، فلم يقتل يهودياً أو نصرانياً بسبب ديانته، وسمح لهم بحريّة اختيار الدين، ولم يُجبرهم على اعتناق الإسلام. قيل إنّه أتى رجل من الأنصار، وله أبناء تنصّروا قبل بعثة رسول عليه الصّلاة والسّلام، فدعاهم أباهم للإسلام، ولكنّهم رفضوا واختصموا إلى الرسول عليه الصّلاة والسّلام، فقال الرجل: (يا رسول الله، أيدخل بعضي النار وأنا أنظر؟)، فأنزل الله سبحانه وتعالى تلك الآية: “لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ…” (البقرة:256).
-
عدل الرسول عليه الصّلاة والسّلام ورفع الظلم عن اليهود
كان الرّسول عليه الصّلاة والسّلام يُعاملهم بعدل، ويرفع الظّلم عنهم، ويدفع الديّة لهم، ولو كان على حساب المسلمين. سرق رجل مسلم أنصاري درعاً من جارٍ له مسلم، وخبّأها عند رجل من اليهود، ثم اتّهم صاحب الدّرع اليهودي بسرقتها، وكاد الّرسول عليه الصّلاة والسّلام أن يصدّقهم بسبب الدلائل، ويعاقب اليهودي، فأنزل الله تعالى هذه الآيات من سورة النساء: “إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا * وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا * وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا” إلى قوله تعالى: “وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا“(النساء:105-112)، ثم قام الرسول عليه الصّلاة والسّلام أمام الملأ، وأعلن براءة اليهودي، وأنّ السّارق مسلم.
مثال آخر، وهو أنّه لمّا قُتل الصحابي عبد لله بن سهل من قبل يهود أهل خيبر لم يثبت ذلك عليهم بالبيّنة، فلم يُعاقبهم الرسول عليه السّلام، ودفع الديّة من بيت مال المسلمين.
-
معاملة الرسول عليه الصّلاة والسّلام بالخلق والأمانة
كان الرسول عليه الصّلاة والسّلام يعاملهم بالحُسنى، والبر، والعدل، والتقوى، وحسن الخلق، حفظ الأمانة، ومن الأمثلة أنّ الرسول عليه الصّلاة والسّلام استدان بعض الدراهم من يهودي ولم يحن وقت دفع الدين بعد، وبينما كان الرسول جالساً مع أصحابه، إذا بالرجل دخل على الرسول عليه الصّلاة والسّلام وتجاوز جميع الصحابة، وشدّ الرسول عليه الصّلاة والسّلام شداً عنيفاً، وقال له بغلظة: أوفِ ما عليك من الدين يا محمد، فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وطلب من الرسول عليه الصّلاة والسّلام قتله، فقال الرّسول عليه الصلاة والسلام لعمر بن الخطاب: مُرْهُ بحسن الطلب ومرني بحسن الأداء، فردّ اليهودي: والذي بعثك بالحق يا محمد ما جئت لأطلب منك ديناً إنما جئت لأختبر أخلاقك، فأنا أعلم أنّ موعد الدين لم يحن بعد، فأشهد أن لا إله إلا الله وأنك محمد رسول الله. وحَسُن إسلام ذلك اليهودي.
-
دعاء الرسول لهم
كان الرسول عليه الصّلاة والسّلام يدعو لهم دائماً بالهداية، وراحة البال. فعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ الْيَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُونَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ فَيَقُولُ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ).
-
برّ الرسول عليه الصّلاة والسّلام بهم
كان الرسول عليه الصّلاة والسّلام يبّرهم، ويزور مريضهم. فعن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أَنَّ غُلَامًا مِنَ اليَهُودِ كَانَ يَخدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِندَ رَأسِهِ، فَقَالَ: أَسلِم. فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِندَ رَأسِهِ، فَقَالَ لَه: أَطِع أَبَا القَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. فَأَسلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: الحَمدُ لِلَّهِ الذِي أَنقَذَهُ مِنَ النَّارِ).
-
عفو الرسول عليه الصّلاة والسّلام عنهم
كان الرسول عليه الصّلاة والسّلام يعفو عن زلاتهم، ويطمئن على جيرانه اليهود، ويقبل منهم الهدايا، ويعفو عن الإساءة؛ فعندما حاولت المرأة اليهودية قتله بالشاة المسمومة لم يأمر بقتلها، ولم ينتقم لنفسه ولكنّه قتلها بعد أن قتلت هي صحابيّ آخر: فَجِيءَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ: أَرَدْتُ لِأَقْتُلَكَ، قَالَ: مَا كَانَ اللَّهُ لِيُسَلِّطَكِ عَلَيّ، قَالُوا: أَلَا تقْتُلُهَا؟ قَالَ: لَا.
-
تعامل الرسول المالي مع اليهود
كان الرّسول عليه الصّلاة والسّلام يتعامل مع اليهود بالتجارة والمعاملات الماليّة بصدق، ويفي معهم، فأعطى يهود خيبر أرض، وطلب منهم أن يزرعوها ولهم شطر ما يخرج منها، كما كانت أسواق المسلمين مليئة باليهود، وكذلك أسواق اليهود مليئة بنساء المسلمين، وهذا يدلّ على وجود الأمن بينهم. فعن عائشة رضي الله عنها: (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إِلَى أَجَلٍ فَرَهَنَهُ دِرْعَهُ).
-
معاملته لليهود والنصارى
كان الرسول عليه الصّلاة والسّلام يتواضع لليهود والنصارى، ويُخالطهم، ويتحاور، ويتناقش معهم حتى لو كانوا يقصدون مجادلته ونعته فقط، وسمح لهم الرسول عليه الصّلاة والسّلام بإصدار قوانينهم حسب تعاليم دينهم، ولم يُجبرهم على الالتزام بتعاليم الإسلامي، إلاّ إذا طلبوا محاكمة الرسول عليه الصّلاة والسّلام فكان يحكم بينهم بتعاليم الإسلام.. عندما قدم وفد نجران وكانوا من النصارى دخلوا على الرسول عليه الصّلاة والسّلام واجتمعوا معه في مسجده، وعندما حان وقت صلاتهم قاموا يصلّون في المسجد، فأراد الصحابة منعهم، إلاّ أن الرسول عليه الصّلاة والسّلام قال: (دعوهم).
-
منح اليهود حق التملك
أجاز الرسول عليه الصّلاة والسّلام لليهود بالتملّك، ولم يُصادر أملاكهم يوماً، ولم يجبرهم على التّنازل بها للمنفعة العامة؛ فعندما اشترى عثمان بن عفان رضي الله عنه بئر رومة من يهودي، وكان هذا البئر يخدم المدينة ومرافقها، كان من الممكن إجبار اليهودي بالتّنازل عن البئر لصالح المنفعة العامة، إلاّ أنّ الرسول عليه الصّلاة والسّلام حافظ على مُلكيّات اليهود، ولم يجبرهم على التنازل بها للمسلمين، وإنّما تمّت عملية البيع والشراء، وقد ورد أنّ عثمان بن عفان رضي الله عنه اشترى من اليهودي نصف البئر، ثمّ قال لليهودي: (اخترْ إمَّا أن تأخذَها يوماً وآخذَها يوماً، وإمَّا أن تنصب لك عليها دلواً، وأنصب عليها دلواً. فاختارَ يوماً ويوماً).
وكان الرسول عليه الصّلاة والسّلام أيضاً يأمر بالإحسان إليهم، ويأمر برعايتهم والاهتمام بهم كشؤون المسلمين. بالمقابل حافظ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام على حرمات المسلمين، ونهى اليهود عن انتهاكها، والتمادي بها؛ فكان يعاقب كلّ من ظلم وانتهك حق مسلم، فعندما حاول يهود بني قينقاع الاعتداء على امرأة مسلمة وكشف عورتها قام الرسول عليه الصّلاة والسّلام بإجلائهم من المدينة، وكان يُنذرهم قبل ذلك، وأيضاً عندما حاول يهود بني النضير قتل الرّسول عليه الصّلاة والسّلام أكثر من مرّة، قام بإجلائهم من المدينة.
____________________________________________
المصدر: بتصرف يسير عن موقع موضوع http://bit.ly/2guXanD
[ica_orginalurl]