د. رمضان فوزي بديني (خاص بموقع مهارات الدعوة)
ينقسم الناس بعد أن تُوجّه إليهم الدعوة، فيستجيب لها من يستجيب، ويعرض عنها من يعرض إلى أصناف متعددة؛ فيكونون بين مهتد وضال، ومستجيب ومعرض، كما يكون منهم من يتظاهر بالهداية وهو على كفره، قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الآَخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} (البقرة: 8، 9).
وقد جاء في أوائل سورة البقرة ذكر ثلاثة أصناف من الناس: المؤمنين والكافرين والمنافقين.
وهناك اجتهادات متعددة في تصنيف المدعوين؛ فقد صنفهم د. عبد الكريم زيدان إلى أربعة أصناف هم:
- الملأ: وهم البارزون في المجتمع وأصحاب النفوذ فيه الذين يعتبرهم الناس أشرافاً وسادة، أو يعتبرون حسب مفاهيم المجتمع وقيمه أشراف المجتمع وسادته، ومن ثم يستحقون -في عرف الناس- قيادة المجتمع والزعامة والرئاسة فيه، وقد يباشرون ذلك فعلاً. والوصف الغالب على الملأ من كل قوم معاداتهم للدعوة إلى الله تعالى، فقد قاوموا دعوة الرسل الكرام إلى الله تعالى، وكانوا هم الذين يتولون كبر المقاومة الأثيمة للدعوة إلى الله ويقودون حملة الكذب والافتراء والتضليل ضد أنبياء الله تعالى.
- جمهور الناس: وهم أكثرية الناس في أي مجتمع بشري، وهؤلاء الجمهور يكونون عادة مرؤوسين للملأ وتابعين لهم، كما يكونون غالبا فقراء وضعفاء ويباشرون مختلف الأعمال والحرف. والجمهور أسرع من غيرهم إلى الاستجابة إلى الحق؛ فهم أتباع رسل الله، يصدقونهم ويؤمنون بهم قبل غيرهم. كما أن هناك احتمالا لتأثر الجمهور بمكائد “الملأ” والسير وراء تضليلهم وأكاذيبهم كما حصل لقوم فرعون.
- المنافقون: المنافق في الاصطلاح الشرعي هو الذي يظهر غير ما يبطنه ويخفيه، فإن كان الذي يخفيه التكذيب بأصول الإيمان فهو المنافق الخالص، وحكمه في الآخرة حكم الكافر، وقد يزيد عليه في العذاب لخداعه المؤمنين بما يظهره لهم من الإسلام… وإن كان الذي يخفيه غير الكفر بالله وكتابه ورسوله وإنما هو شيء من المعصية لله فهو الذي فيه شعبة أو أكثر من شعب النفاق.
- العصاة: هم من كان عندهم أصل الإيمان وهو الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ولكنهم لا يقومون بحقوق هذه الشهادة، فهم يخالفون بعض أوامر الشرع، ويرتكبون بعض نواهيه. ومنهم المكثر من المعاصي ومنهم المقل ومنهم بين ذلك على درجات كثيرة جداً ومتنوعة جدا لا يحصيها إلا الله تعالى([1]).
لكن يلاحظ على هذا التقسيم أنه لم يفرق بي المسلمين وغير المسلمين؛ حيث يمكن تقسيم المدعوين إلى صنفين أساسيين، هما:
أ- المسلمون أو المؤمنون: وهم المعروفون في الاصطلاح الدعوي بأمة (الاستجابة) وهم أصناف متعددة.
ب – الكافرون أو (غير المسلمين): الذين يدخلون في الاصطلاح في (أمة الدعوة).
أولا- أصناف المسلمين:
يمكننا تصنيف المسلمين من حيثيتين:
1- من حيث الاهتداء والضلال.
2- من حيث قوة أو ضعف التزامهم بالإسلام.
فمن الحيثية الأولى ينقسمون إلى قسمين:
مسلمين مهتدين، ومسلمين ضالين. وهذا التقسيم غالبا ما يستعمل في مقام الحكم على العقائد، وبيان سلامتها، وذلك لأن المسلم قد يضل في عقيدته ضلالا لا يخرجه عن الملة الإسلامية، كأن يكون صاحب بدعة خطيرة في العقيدة لا يُكفَر بها.
ومن الحيثية الثانية ينقسمون إلى ثلاثة أقسام:
أ – سابق بالخيرات: وهو التقي الصالح.
ب – وظالم لنفسه: وهو الفاسق الفاجر.
ج – ومقتصد: وهو الضعيف المتردد بين الصنفين السابقين.
قال تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} (فاطر: 32).
وهذا الأصناف الثلاثة موجودة في أتباع الرسل عليهم الصلاة والسلام جميعا.
ثانيا– أصناف الكافرين:
يمكن تصنيف الكافرين (غير المسلمين) إلى ما يلي:
1- الجاحدون الملحدون: وهم الذين ينكرون وجود الله عز وجل ويجحدونه.
2- المشركون الوثنيون: وهم الذين أشركوا مع الله غيره في الاعتقاد أو العبادة، مثل مشركي العرب وغيرهم من الوثنيين في الأمم الأخرى. وقد يتفرع هذان الصنفان إلى صنفين آخرين:
أ – كافر أصلي: وهو الذي نشأ على الكفر والجحود والوثنية.
ب – كافر مرتد: وهو الذي كان مسلما ثم ارتد إلى شيء من ذلك.
ولكل صنف من هؤلاء أحكامه الخاصة به، ويُدعون جميعا إلى الإيمان بالله وحده، وإلى الرجوع عن كفرهم وشركهم..
- أهل الكتاب: وهم الذين لم يؤمنوا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أهل الديانات السابقة؛ كاليهود والنصارى، وسُمّوا أهل الكتاب لانتسابهم إلى كتبهم السابقة، وخُصّوا بهذا الوصف وإن وقع كثير منهم في الشرك والوثنية، باعتبار الأصل
- المنافقون: وهم الذين يُبطنون الكفر ويظهرون الإسلام، وهم أخطر أصناف الكافرين لالتباس أمرهم على الناس، وخداعهم لهم، حيث يدخلـون ظاهرا بين المؤمنين، ولهذا كان جزاؤهم أشد من جزاء غيرهم([2]).
فاحرص أخي الداعية على أن تعرف هذه الأصناف، وسمات كل منها؛ حتى تستطيع استخدام الأسلوب المناسب لك صنف؛ حتى تنجح دعوتك وتؤثر في الآخرين.
[1]– أصول الدعوة: 428 ما بعدها، د. عبد الكريم زيدان.
[2]– المدخل إلى علم الدعوة: 172 (بتصرف)، د. أبو الفتح البيانوني.
[ica_orginalurl]