يسود العالم اليوم اعتقادان رئيسيان أحدهما يؤمن بالإله والآخر لا يؤمن بهذا الإله. وأصبح الإلحاد اليوم في كفة وجميع الأديان السماوية وغير السماوية في كفة أخرى. وعلى الرغم من أن المسيحية المعاصرة والإسلام رسالتان سماويتان تؤمنان بوجود إله لهذا الكون، إلا أن تصور هذا الإله يختلف من المسيحية إلى الإسلام.
ومما لا شك فيه أنه حتى يستقيم الإيمان بوجود الإله، لابد أن يستقيم تصوره في أذهان البشر. فالعقل يستسيغ الإيمان بإله غني عن هذا الكون يقوم على أمره ولا يحتاج إليه ولكن يحتاج الكون إليه. إنه ذاك الإله القوي القادر الذي لا يشبه البشر في نقائصهم ولا في قصورهم وإليه ينسب كل كمال يليق بذاته وعنه ينتفي كل نقص وكل عيب لا يليق بذاته.
والسؤال الآن: هل التصور السابق للإله الحق أكثر تطابقا مع التصور المسيحي أم التصور الإسلامي؟
سنبحث فيما يلي إن شاء الله تعالى تصور المسيحية للإله مقارنة بتصور الإسلام له لنرَ أيهما أكثر قبولا واستساغة لدى العقل البشري وأيهما أولى بالإيمان وأيهما أولى بالرفض والنبذ وأيهما يرى العقل بطلانه واستواءه مع الإلحاد من حيث العبثية وعدم المنطقية.
الإله المعبود
من أسماء الله وصفاته “الإله المعبود”. فإن الإله الحق لهذا الكون الذي يمكن للعقل البشري أن يستسيغ الإيمان به لابد أن يكون “إلها معبودا”، وكونه كذلك يقتضي أن يبلغ البشر بألوهيته وأحقيته في العبادة ويأمرهم بعبادته وحده ويوضح كيفية هذه العبادة.
الإله المعبود في الإسلام
إن وصف “الإله المعبود” متحقق في تصور الإسلام للإله. فنجد في القرآن الكريم آيات لا تعد ولا تحصى تبين أن الله تعالى هو الإله الحق المستحق للعبادة وتأمر بعبادته سبحانه وتعالى. فنحن نقرأ على سبيل المثال:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (البقرة 21:2)
كما نقرأ أيضا:
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (آل عمران 64:3)
كما نجد أيضا في القرآن الكريم وفي السنة النبوية المطهرة نصوصا كثيرة تبين كيفية عبادة الله تعالى. فعلى سبيل المثال، يوضح القرآن الكريم أن من عبادة الله تعالى إقامة الصلاة له. فنحن نقرأ:
إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (طه 14:20)
كما يبين القرآن الكريم أن من عبادة الله الركوع والسجود كناية عن الصلاة وعمل الصالحات. فنحن نقرأ:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (الحج 22:77)
الإله المعبود في المسيحية
أما في المسيحية، فنجد تصورا بأن السيد المسيح أحد ثلاثة أقانيم تشكل الله في مجملها على الرغم من أن السيد المسيح ليس “إلها معبودا”، بمعنى أنه لم يقل أنه إله أو حتى أنه أحد ثلاثة أقانيم تشكل الإله ولم يدّع حقا في العبادة ولم يأمر بعبادته ولم يبين كيفية هذه العبادة.
بل إننا نجده يبين في أكثر من موضع في العهد الجديد أن له إله. فعلى سبيل المثال، نقرأ في العهد الجديد: “وَنَحْوَ السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً: ‘إِيلِي، إِيلِي، لِمَا شَبَقْتَنِي؟’ أَيْ: إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟” (متى 46-27)، كما نقرأ أيضا: “قَالَ لَهَا يَسُوعُ: ‘لاَ تَلْمِسِينِي لأَنِّي لَمْ أَصْعَدْ بَعْدُ إِلَى أَبِي. وَلكِنِ اذْهَبِي إِلَى إِخْوَتِي وَقُولِي لَهُمْ: إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ وَإِلهِي وَإِلهِكُمْ’”. (يوحنا 17:20)
كما أننا لا نجد في أقوال السيد المسيح في العهد الجديد ما يفيد أحقيته في العبادة أو ما يعد أمرا بعبادته، بل على العكس نجد السيد المسيح يأمر بعبادة الله تعالى وحده وينفي أحقية غيره في العبادة. فعلى سبيل المثال، نقرأ في العهد الجديد أن السيد المسيح رد على الشيطان حين أغراه الشيطان بالسجود له بقوله: “اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ”. (متى 10:4)
ولقد بين السيد المسيح كيفية عبادة الله تعالى والصلاة له. فنحن نقرأ في العهد الجديد على لسان السيد المسيح: “فَصَلُّوا أَنْتُمْ هكَذَا: أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ. لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ. لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذلِكَ عَلَى الأَرْضِ. خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا الْيَوْمَ. وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضًا لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا. وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ، لكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ. لأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ، وَالْقُوَّةَ، وَالْمَجْدَ، إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ” (متى 9:6-13)
ولقد ذكر العهد الجديد نفسه أن السيد المسيح قد عبد الله وأقام الصلاة له. فنحن نقرأ على سبيل المثال: “وَبَعْدَمَا صَرَفَ الْجُمُوعَ صَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ مُنْفَرِدًا لِيُصَلِّيَ. وَلَمَّا صَارَ الْمَسَاءُ كَانَ هُنَاكَ وَحْدَهُ”. (متى 23:14)
كما نقرأ أيضا: ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي قَائِلاً:«يَا أَبَتَاهُ، إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسُ، وَلكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ». (متى 39:26)
ومما سبق يتبين أن التصور الإسلامي للإله تصور سائغ يقبله العقل أما التصور المسيحي فغير سائغ ولا يقبله العقل، لأن ألوهية السيد المسيح تقتضي أن يكون قد أقام نفسه إلها وادعى الحق في العبادة وأمر بها وبين كيفية عبادته، ولكنه لم يؤمن إلا بالله (المسمى بـ”الآب”) إلها ودعى إلى عبادته وحده ونهى عن عبادة غيره وبين كيفية عبادته تعالى، بل إنه هو نفسه عبد الله وصلى له، فكيف يكون السيد المسيح إلها؟
_________
المراجع:
1-القرآن الكريم
2- الكتاب المقدس
[ica_orginalurl]