الإيمان بالله و ملائكته وكتبه و رسله و اليوم الآخر و القدر خيره و شره؛ لا يتم إيمان أحد إلا إذا آمن بها جميعا على الوجه الذي دل عليه كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم. و أما من جحد شيئًا منها فقد خرج عن دائرة الإيمان و صار من الكافرين. و قد جاء ذكر هذه الأركان في الكتاب والسنة، و نذكر من ذلك الأمثلة التالية:
قوله عز و جل: “آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه و المؤمنون كل آمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله، لا نفرق بين أحد من رسله، و قالوا سمعنا و أطعنا، غفرانك ربنا و إليك المصير” (البقرة: الآية 285).
و قوله صلى الله عليه و سلم عندما سئل عن الإيمان: “أن تؤمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر، و تؤمن بالقدر خيره و شره” (رواه الإمام مسلم في صحيحه).
الإيمان بالله عز و جل
يتضمن الإيمان بالله عز و جل توحيده في ربوبيته، و في ألوهيته، و في أسمائه و صفاته. و فيما يلي تلخيص لكل من أنواع التوحيد هذه:
1) توحيد الربوبية: معنى توحيد الربويية هو الاعتقاد الجازم بأن الله رب كل شيء و لا رب غيره. و الرب في اللغة هو المالك المدبر، و على هذا فإن ربوبية الله على جميع مخلوقاته تعني تفرده سبحانه و تعالى في خلقهم و ملكهم و تدبير أمورهم. فإن توحيد الربوبية معناه الإقرار بأن الله عز و جل هو الفاعل المطلق في الكون، لا يشاركه أحد في فعله سبحانه و تعالى. و على هذا فإن الله سبحانه و تعالى، خالق السماوات والأرض و ما فيهن، هو الوحيد المستحق للعبادة، و هو وحده الجدير بصفات الجلال و الكمال لأن هذه الصفات لا تكون إلا لرب العالمين.
2) توحيد الألوهية: معنى توحيد الألوهية هو الاعتقاد الجازم بأن الله سبحانه و تعالى هو الإله الحق، و لا إله غيره، و إفراده سبحانه بالعبادة. و الإله هو المألوه، أي المعبود، و العبادة في اللغة هي الانقياد و التذلل و الخضوع. فلا يتحقق توحيد الألوهية إلا بإخلاص العبادة لله وحده في باطنها و ظاهرها، بحيث لا يكون شيء منها لغير الله سبحانه. و يقول ابن تيمية في توحيد الألوهية: “و هذا التوحيد هو الفارق بين الموحدين و المشركين، و عليه يقع الجزاء و الثواب في الأولى و الآخرة، فمن لم يأت به كان من المشركين” (رسالة الحسنة و السيئة لابن تيمية). و بهذا فإن توحيد الألوهية يستلزم أن نتوجه إلى الله وحده بجميع أنواع العبادة و أشكالها.
3) توحيد الأسماء و الصفات: معنى توحيد الأسماء و الصفات هو الاعتقاد الجازم بأن الله عز و جل متصف بجميع صفات الكمال، و منزه عن جميع صفات النقص، و أنه متفرد عن جميع الكائنات. و يكون هذا بإثبات ما أثبته الله سبحانه لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه و سلم من الأسماء و الصفات الواردة في الكتاب و السنة من غير تحريف ألفاظها أو معانيها، و لا تعطيلها بنفيها أو نفي بعضها عن الله عز و جل، و لا تكييفها بتحديد كنهها و إثبات كيفية معينة لها، و لا تشبيهها بصفات المخلوقين. فيجب على المسلم أن لا يقع في التشبيه، أو التحريف و التغيير و التبديل، أو التعطيل، أو التكييف.
الإيمان بالملائكة
الإيمان بالملائكة ركن من أركان الإيمان. و المقصود من الإيمان بالملائكة هو الاعتقاد الجازم بأن لله ملائكة موجودين مخلوقين من نور، و أنهم لا يعصون الله ما أمرهم، و أنهم قائمون بوظائفهم التي أمرهم الله القيام بها. فلا يصح الإيمان إلا بالإيمان بوجود الملائكة و بما ورد في حقهم من صفات و أعمال في كتاب الله سبحانه و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم من غير زيادة و لا نقصان و لا تحريف.
قال الله تعالى: “و من يكفر بالله و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا” (النساء، الآية 136). و بهذا فإن وجود الملائكة ثابت بالدليل القطعي، فقد ورد ذكرها في الكثير من الآيات في القرآن الكريم، و لذلك فإن إنكار وجود الملائكة كفر بإجماع المسلمين و بنص القرآن الكريم كما جاء في الآية المذكورة سابقا.
و لقد عرفنا الله سبحانه و تعالى بالملائكة، و أوصافهم، و أعمالهم، و أحوالهم، بالقدر الذي ينفعنا في تطهير عقيدتنا و تصحيح أعمالنا. و أما حقيقة الملائكة، و كيف خلقهم و تفصيلات أحوالهم فقد استأثر الله سبحانه بهذا العلم. و المؤمن الصادق يقر بكل ما أخبر به الله سبحانه و تعالى، لا يزيد على ذلك و لا ينقص منه، و لا يتكلف البحث فيما لم يطلعنا عليه الله سبحانه و تعالى، و لا يخوض فيه.
الإيمان بالأنبياء و المرسلين
و من أركان الإيمان أيضا الإيمان بأنبياء الله و رسله، و هو الإيمان بمن سمى الله تعالى في كتابه من رسله و أنبيائه، و الإيمان بأن الله عز و جل أرسل رسلا سواهم، و أنبياء لا يعلم عددهم و أسماءهم إلا الله تعالى. و قد ذكر هذا المعنى في القرآن الكريم في قوله تعالى: “و لقد أرسلنا رسلا من قبلك، منهم من قصصنا عليك و منهم من لم نقصص عليك” (غافر، الآية 78).
لقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم خمسة و عشرون من الأنبياء و الرسل و هم: آدم، نوح، ادريس، صالح، ابراهيم، هود، لوط، يونس، اسماعيل، اسحاق، يعقوب، يوسف، أيوب، شعيب، موسى، هارون، اليسع، ذو الكفل، داوود، زكريا، سليمان، إلياس، يحيى، عيسى، محمد صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين. فهؤلاء الرسل و الأنبياء يجب الإيمان برسالتهم و نبوتهم تفصيلا، فمن أنكر نبوة واحد منهم أو أنكر رسالة من بعث منهم برسالة، كفر. و أما الأنبياء و الرسل الذين لم يقصصهم القرآن علينا، فقد أمرنا أن نؤمن بهم إجمالا. و ليس لنا أن نقول برسالة أحد من البشر أو نبوته مادام أن ذكره لم يأتي في القرآن أو من الرسول صلى الله عليه و سلم.
الواجب علينا نحو الرسل:
بعد الإيمان بأنبياء الله و رسله، يجب علينا تصديق رسل الله جميعا، و أن لا نفرق بينهم بأن نؤمن ببعض و نكفر ببعض، فقد قال سبحانه و تعالى: “إن الذين يكفرون بالله و رسله و يريدون أن يفرقوا بين الله و رسله و يقولون نؤمن ببعض و نكفر ببعض و يريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا …” (النساء، الآيات 150-151).
الإيمان بمحمد صلى الله عليه و سلم:
من الإيمان بالأنبياء و الرسل الإيمان بمحمد صلى الله عليه و سلم، و أنه لم يعبد صنما و لم يشرك بالله طرفة عين قط. و نؤمن بأنه خاتم الأنبياء، لقوله تعالى: “و لكن رسول الله و خاتم النبيين” (الأحزاب، من الآية 40) فلا نبوة بعده صلى الله عليه و سلم، و كل من ادعاها بعده فهو كذاب. و يجب علينا أن نؤمن بأنه صلى الله عليه و سلم إمام المتقين، و أنه وحده الجدير بالاقتداء و التأسي، و أنه حبيب الرحمن، و أنه مبعوث إلى عامة الجن و كافة الورى بالحق و الهدى، و إلى الناس جميعا كما قال الله سبحانه و تعالى: “و ما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا و نذيرا” (سبأ، الآية 28). و يجب علينا أن نقدم محبته على الوالد و الولد و النفس، كما جاء في الحديث عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: “لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده و ولده و الناس أجمعين” (متفق عليه).
الإيمان بكتب الله عز و جل
من أركان الإيمان أيضا الإيمان بكتب الله عز و جل. و معنى هذا أن نؤمن بالكتب التي أنزلها الله على أنبيائه و رسله. و من هذه الكتب ما سماه الله تعالى في القرآن الكريم، و منها ما لم يسم، و نذكر فيما يلي الكتب التي سماها الله عز و جل في كتابه العزيز:
1) التوراة: و قد أنزلت على موسى عليه السلام.
2) الإنجيل: و قد أنزل على عيسى عليه السلام.
3) الزبور: الذي أنزل على إبراهيم و موسى.
و أما الكتب الأخرى التي نزلت على سائر الرسل، فلم يخبرنا الله تعالى عن أسمائها. و يجب علينا أن نؤمن بهذه الكتب إجمالا، و لا يجوز لنا أن ننسب كتابا إلى الله تعالى سوى ما نسبه إلى نفسه مما أخبرنا عنه في القرآن الكريم. كما يجب أن نؤمن بأن هذه الكتب جميعا نزلت بالحق و النور و الهدى، و توحيد الله عز و جل، و أن ما نسب إليها مما يخالف ذلك إنما هو تحريف البشر و صنعهم. و يجب علينا أيضا أن نؤمن بأن القرآن الكريم هو آخر كتاب نزل من عند الله تعالى.
الإيمان باليوم الآخر
و معناه الإيمان بكل ما أخبرنا به الله عز و جل و رسوله صلى الله عليه و سلم مما يكون بعد الموت من فتنة القبر و عذابه و نعيمه، و البعث و الحشر و الصحف و الحساب و الميزان و الحوض و الصراط و الشفاعة و الجنة و النار، و ما أعد الله لأهلما جميعا.
و للإيمان باليوم الآخر أثر عظيم في حياة الإنسان، و له أثر كبير في توجيه الإنسان و انضباطه و التزامه بالعمل الصالح و تقوى الله عز و جل. و ذلك لأن من يعتقد أنه سيحاسب على كل ما يفعله، و من آمن بأنه سيفوز بالجنة إذا أصلح العمل و سيعاقب بالنار إذا أساء، لا بد أن يحمله هذا الاعتقاد على أن يحسن العمل و يبتعد عن كل ما نهى عنه الله عز و جل و رسوله صلى الله عليه و سلم. و أما من لا يعتقد بأن هناك حساب و لا عقاب و لا ثواب، فإنه سيكون منفلتا من أي ضابط سوى هواه و شهوته. و قد بين الله لنا هذا في العديد من الآيات في القرآن الكريم بالربط بين الإيمان باليوم الآخر والعمل الصالح، كما قال عز و جل: “أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم و لا يحض على طعام المسكين” (الماعون: الآيات 1-3)، و قال: “لا تجد قوما يؤمنون بالله و اليوم الآخر يوادون من حاد الله و رسوله” (المجادلة، الآية 22).
الإيمان بقضاء الله و قدره
و الإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان، فمن كفر بقدر الله خرج من دين الله عز و جل.
تعريف القدر: علم الله تعالى بما تكون عليه المخلوقات في المستقبل.
تعريف القضاء: إيجاد الله تعالى الأشياء حسب علمه و إرادته.
الإيمان بالقدر يشتمل على أربعة مراتب
المرتبة الأولى: الإيمان بعلم الله القديم و أنه علم أعمال العباد قبل أن يعملوها، و الدليل على هذا قوله تعالى: “ما أصاب من مصيبة في الأرض و لا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير” (الحديد: الآية 22).
المرتبة الثانية: كتابة ذلك في اللوح المحفوظ، و الدليل قوله تعالى: “ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء و الأرض، إن ذلك لفي كتاب، إن ذلك على الله يسير” (الحج: الآية 70). و الكتاب المذكور في الآية هو اللوح المحفوظ.
المرتبة الثالثة: مشيئة الله النافذة و قدرته الشاملة. قال تعالى: ” قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شيء قدِير” (آل عمران: الآية 29).
المرتبة الرابعة: إيجاد الله لكل المخلوقات، و أنه الخالق و كل ما سواه مخلوق. قال تعالى: ” ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل” (الأنعام: الآية 102).
——————————–
المصدر: موقع الإسلامي بتصرف.
.
[opic_orginalurl]