تتفق المسيحية والإسلام على تكريم النبي لوط عليه السلام والثناء عليه وتخليد ذكرى تنجيته هو وأهل بيته من العذاب الذي حاق بقومه الذين كانوا يأتون الفاحشة. ولكن نسبت المسيحية إلى النبي لوط وبناته في الكتاب المقدس شرب الخمر وإتيان الفاحشة والسجود لغير الله في تناقض صريح وتام مع ما أوردته عنه من التكريم والتشريف. لنلق نظرة على ما ورد عن النبي لوط في المسيحية والإسلام من واقع الكتاب المقدس والقرآن الكريم.
النبي لوط في المسيحية
يثني الكتاب المقدس على النبي لوط ويصفه بالبار. ففيه نقرأ: “وَأَنْقَذَ لُوطًا الْبَارَّ، مَغْلُوبًا مِنْ سِيرَةِ الأَرْدِيَاءِ فِي الدَّعَارَةِ. إِذْ كَانَ الْبَارُّ، بِالنَّظَرِ وَالسَّمْعِ وَهُوَ سَاكِنٌ بَيْنَهُمْ، يُعَذِّبُ يَوْمًا فَيَوْمًا نَفْسَهُ الْبَارَّةَ بِالأَفْعَالِ الأَثِيمَةِ”. (بطرس الثانية 7:2-8)
ويحكي لنا الكتاب المقدس كيف نجى الله لوطا وأهل بيته حيث أشفق الله عليه لأنه كان بارا. فنحن نقرأ: وَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ كَانَ الْمَلاَكَانِ يُعَجِّلاَنِ لُوطًا قَائِلَيْنِ: «قُمْ خُذِ امْرَأَتَكَ وَابْنَتَيْكَ الْمَوْجُودَتَيْنِ لِئَلاَّ تَهْلِكَ بِإِثْمِ الْمَدِينَةِ». وَلَمَّا تَوَانَى، أَمْسَكَ الرَّجُلاَنِ بِيَدِهِ وَبِيَدِ امْرَأَتِهِ وَبِيَدِ ابْنَتَيْهِ، لِشَفَقَةِ الرَّبِّ عَلَيْهِ، وَأَخْرَجَاهُ وَوَضَعَاهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ. (التكوين 15:19-16)
ومع ذلك، تنسب المسيحية إلى النبي لوط وأهل بيته من الخطايا والفواحش ما يناقض جميع ما سبق. فهي تنسب معاقرة الخمر وإتيان المحارم للنبي لوط عليه السلام. فنحن نقرأ: وَصَعِدَ لُوطٌ مِنْ صُوغَرَ وَسَكَنَ فِي الْجَبَلِ، وَابْنَتَاهُ مَعَهُ، لأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَسْكُنَ فِي صُوغَرَ. فَسَكَنَ فِي الْمَغَارَةِ هُوَ وَابْنَتَاهُ. وَقَالَتِ الْبِكْرُ لِلصَّغِيرَةِ: «أَبُونَا قَدْ شَاخَ، وَلَيْسَ فِي الأَرْضِ رَجُلٌ لِيَدْخُلَ عَلَيْنَا كَعَادَةِ كُلِّ الأَرْضِ. هَلُمَّ نَسْقِي أَبَانَا خَمْرًا وَنَضْطَجعُ مَعَهُ، فَنُحْيِي مِنْ أَبِينَا نَسْلاً». فَسَقَتَا أَبَاهُمَا خَمْرًا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَدَخَلَتِ الْبِكْرُ وَاضْطَجَعَتْ مَعَ أَبِيهَا، وَلَمْ يَعْلَمْ بِاضْطِجَاعِهَا وَلاَ بِقِيَامِهَا. وَحَدَثَ فِي الْغَدِ أَنَّ الْبِكْرَ قَالَتْ لِلصَّغِيرَةِ: «إِنِّي قَدِ اضْطَجَعْتُ الْبَارِحَةَ مَعَ أَبِي. نَسْقِيهِ خَمْرًا اللَّيْلَةَ أَيْضًا فَادْخُلِي اضْطَجِعِي مَعَهُ، فَنُحْيِيَ مِنْ أَبِينَا نَسْلاً». فَسَقَتَا أَبَاهُمَا خَمْرًا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَيْضًا، وَقَامَتِ الصَّغِيرَةُ وَاضْطَجَعَتْ مَعَهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِاضْطِجَاعِهَا وَلاَ بِقِيَامِهَا، فَحَبِلَتِ ابْنَتَا لُوطٍ مِنْ أَبِيهِمَا. فَوَلَدَتِ الْبِكْرُ ابْنًا وَدَعَتِ اسْمَهُ «مُوآبَ»، وَهُوَ أَبُو الْمُوآبِيِّينَ إِلَى الْيَوْمِ. وَالصَّغِيرَةُ أَيْضًا وَلَدَتِ ابْنًا وَدَعَتِ اسْمَهُ «بِنْ عَمِّي»، وَهُوَ أَبُو بَنِي عَمُّونَ إِلَى الْيَوْمِ. (التكوين 30:19-38)
كما تنسب المسيحية إلى النبي لوط السجود لغير الله. فنحن نقرأ: فَجَاءَ الْمَلاَكَانِ إِلَى سَدُومَ مَسَاءً، وَكَانَ لُوطٌ جَالِسًا فِي بَابِ سَدُومَ. فَلَمَّا رَآهُمَا لُوطٌ قَامَ لاسْتِقْبَالِهِمَا، وَسَجَدَ بِوَجْهِهِ إِلَى الأَرْضِ. وَقَالَ: «يَا سَيِّدَيَّ، مِيلاَ إِلَى بَيْتِ عَبْدِكُمَا وَبِيتَا وَاغْسِلاَ أَرْجُلَكُمَا، ثُمَّ تُبَكِّرَانِ وَتَذْهَبَانِ فِي طَرِيقِكُمَا». فَقَالاَ: «لاَ، بَلْ فِي السَّاحَةِ نَبِيتُ». (التكوين 1:19-2)
النبي لوط في الإسلام
يكرم القرآن الكريم النبي لوط ويثني عليه، حيث يخبرنا أنه من الأنبياء الذين فضلوا على العالمين. فنحن نقرأ:
وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (الأنعام 86:6)
كما يروي لنا القرآن كيف نجى الله تعالى النبي لوط من العذاب الذي حاق بقومه. فنحن نقرأ:
قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (هود 81:11)
التعليق
إن الصورة التي يرسمها الإسلام في القرآن الكريم للنبي لوط أنسب وأليق منها في المسيحية. فالقرآن يخبرنا أن النبي لوطا ممن فضلوا على العالمين ولذلك استحق أن ينجيه الله، وليس في القرآن ما يناقض ذلك.
أما المسيحية، فعلى الرغم من الثناء على النبي لوط ووصفه بالبار، عادت المسيحية فنسبت إليه ما يناقض ذلك من الفواحش والموبقات مثل معاقرة الخمر وإتيان المحارم والسجود لغير الله.
ومن الغريب أن المسيحية في كتابها المقدس تحرم شرب الخمر. ففي العهد القديم نقرأ: وَكَلَّمَ الرَّبُّ هَارُونَ قَائِلاً: «خَمْرًا وَمُسْكِرًا لاَ تَشْرَبْ أَنْتَ وَبَنُوكَ مَعَكَ عِنْدَ دُخُولِكُمْ إِلَى خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ لِكَيْ لاَ تَمُوتُوا. فَرْضًا دَهْرِيًّا فِي أَجْيَالِكُمْ وَلِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُقَدَّسِ وَالْمُحَلَّلِ وَبَيْنَ النَّجِسِ وَالطَّاهِرِ، وَلِتَعْلِيمِ بَنِي إِسْرَائِيلَ جَمِيعَ الْفَرَائِضِ الَّتِي كَلَّمَهُمُ الرَّبُّ بِهَا بِيَدِ مُوسَى». (لاويين 10 :8-11)
وفي العهد الجديد نقرأ: “وَلاَ تَسْكَرُوا بِالْخَمْرِ الَّذِي فِيهِ الْخَلاَعَةُ، بَلِ امْتَلِئُوا بِالرُّوحِ” (أفسس 18:5)
وكما نهى الكتاب المقدس عن معاقرة الخمر، نهى أيضا عن إتيان المحارم. بل إن الكتاب المقدس قد فرض عقوبة لإتيان المحارم. فنحن نقرأ على سبيل المثال: “وَإِذَا اضْطَجَعَ رَجُلٌ مَعَ امْرَأَةِ أَبِيهِ، فَقَدْ كَشَفَ عَوْرَةَ أَبِيهِ. إِنَّهُمَا يُقْتَلاَنِ كِلاَهُمَا. دَمُهُمَا عَلَيْهِمَا. وَإِذَا اضْطَجَعَ رَجُلٌ مَعَ كَنَّتِهِ، فَإِنَّهُمَا يُقْتَلاَنِ كِلاَهُمَا. قَدْ فَعَلاَ فَاحِشَةً. دَمُهُمَا عَلَيْهِمَا”. (اللاويين 11:20-12)
ويأمر الكتاب المقدس بعدم السجود إلا لله عز وجل. ففي الكتاب المقدس نقرأ: حِينَئِذٍ قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ». (متى 10:4)
فإذا كان الكتاب المقدس ينهى آحاد الناس عن شرب الخمر وإتيان المحارم ويأمر بعدم السجود إلا لله، فكيف يتأتى شرب الخمر وإتيان المحارم والسجود لغير الله من أحد الأنبياء الذين فضلوا على العالمين؟
_________
المراجع:
- القرآن الكريم
- الكتاب المقدس
- موقع الأنبا تكلا
_________
اقرأ أيضا:
17-النبي داود (داوود) عليه السلام
22-النبي محمد صلى الله عليه وسلم
[opic_orginalurl]