نظرًا لاحتواء ماء زمزم على كميات معتبرة من عناصر الليثيوم والكالسيوم والمغنيسيوم والزنك، فقد تم اقتراح إدراج ماء زمزم في العلاجات المحتملة لمرضى الإدمان على المخدِّرات؛ حيث تظهر الدراسات العلمية قدرةَ تلك العناصر المعدِنية على التخفيف مِن حدة الإدمان لدى المتعاطين…
(مقتطف من المقال)
د. معز الإسلام فارس
لا نُبالِغ في القول: إن ماء زمزم هو أقدم وأشهر ماءٍ على وجه البسيطة، وإنه ما من بلدٍ من بلدان العالم إلا ودخلها ذلك الماءُ المبارك بفضل المسلمين المنتشرين في أصقاع الأرض، الذين يحجُّون إلى بيت الله الحرام كلَّ عام.
والأحاديث الصحيحة في فضل ماء زمزم وعلوِّ قدره وبركته – كثيرةٌ، تناقلَتْها الأمة وعرَفتها؛ منها: قوله صلى الله عليه وسلم: (إنها مباركة، إنها طعامُ طُعْم)؛ رواه مسلم.
وزاد الطيالسي في رواية له: (وشفاء سقم)؛ أي: شرب مائها يُغنِي عن الطعام، ويشفي من السقام.
كما ثبت عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه أقام شهرًا بمكة لا قوتَ له إلا ماء زمزم.
ونظرًا لِما عُرِف عن هذا الماء الطهور المبارك وفضله؛ فقد كُثَرت الأقاويل، وانتشرت الإشاعات حول قيمته الغذائية، وفوائدِه الصحية، وباتت الكثير من المزاعم حول تأثيراته الصحية تنتشر عبر وسائط التواصل الاجتماعي، فكان لزامًا تجليةُ الأمر، وتبيان موقف العلم من تلك الأقاويل؛ استنادًا إلى مخرجات البحوث العلمية الرصينة والمنضبطة.
التركيب الكيماوي والقيمة الغذائية لماء زمزم
علميًّا يوصف ماء زمزم بأنه ماءٌ قلوي أو قاعدي؛ وذلك استنادًا إلى مقياس درجة الحموضة، أو ما يعرف بالأس الهيدروجين (pH) ؛ حيث تتراوح قيمة هذا المؤشر لِماء زمزم ما بين 7,5 – 8,0، وهي تقع ضمن مدى القيم المسموح بها لمياه الشرب (6,5 – 9,5)، وَفْقًا لتوصيات منظمة الصحة العالَمية الخاصة بمياه الشرب.
وتُعزَى الطبيعة القلوية لمياه زمزمِ إلى الطبيعة القلوية للصخور الجرانيتية التي يخرج من بينِها الماء، وذلك وَفْقًا للدراسات الجيولوجية ومركز المعلومات الجيولوجية السعودي.
كما ترتبط قلويةُ ماء زمزم بانخفاضِ مؤشر “إجمالي المواد الذائبة”، الذي يرمز له عادة بالرمز TDS، وهو يُعبِّر عن كمية المواد العضوية واللاعضوية التي يحتويها السائل.
وتبعًا للمراجع العلمية فإنه يمكن وصف ماء زمزم أنه متوسِّط في محتواه من إجمالي المواد الذائبة؛ حيث تتراوح قيمة هذا المؤشر حوالي 650 ملغم/ لتر، وهو يقع ضمن الفئة المتوسطة لذلك المؤشر، التي تتراوح قيمتها ما بين 250 إلى 800.
كما يمتاز ماء زمزم باحتوائه كمياتٍ معتبرة من العناصر المعدِنية (البوتاسيوم والكالسيوم والمغنيسيوم والزنك)، وهو ما يُضفي عليه قيمة غذائية مميزة؛ نظرًا لأهمية تلك العناصر لمجمل الوظائف الحيوية للجهاز العصبي المركزي والعضلات، ولتوازن السوائل في الجسم، وهو ما يمكن أن يُفسِّر علميًّا القيمةَ الغذائية للماء (طعام طُعم)، فهو – أي: ماء زمزم – وعلى الرغم من انعدام محتواه من الطاقة الغذائية فإنه يُساعد في المحافظة على توازن الجسم من خلال تلك العناصر الغذائية المذكورة آنفًا.
ولعل ارتفاع محتوى ماء زمزم من بعض العناصر المعدِنية مثل الأرسينيك As والليثيومLi -من أكثر ما أثير في الإعلام حول سلامة ماء زمزم وخلوِّه من مسببات التسمم المعدني.
وخلاصة القول هو وجود كميات زائدة عن الحدودِ المقرَّرة لهذين العنصرين، وهي زيادة تتباين قيمتها من دراسة لأخرى، ولكن مصدر تلك المعادِن ليس أصيلًا في الماء؛ وإنما هو نتيجة للتعرض لعبوات الماء المصنَّعة التي يُعبَّأ فيها ماء زمزم، والتي يرجح أنها مصدر لتلك العناصر السامة، كما أن التعرُّض لتلك العناصر لفترات قصيرة وليست طويلة (حيث إن ماء زمزم لا يشرب عمومًا طوال العام وبشكل يومي متكرِّر، وبكميات كبيرة كمياه الشرب العادية) – يُقلِّل مِن احتمال تسببها بالتسمم لدى شاربيها.
وقد أظهرت دراسةٌ علمية أن تعريض حيوانات التجارِب لِماء زمزم لمدة أسابيع لم يؤدِّ إلى ظهور أية سمية لعنصر الأرسينيك المعدِني؛ ما يعني أن الارتفاع في محتوى تلك العناصر ليس كبيرًا، وأنه يتباين تبعًا للتباين في عوامل خارجية وليست أصيلة في الماء.
التأثيرات الصحية لماء زمزم
أما الجانب الطبي (شفاء سقم)، فيمكن عَزْوُه إلى الطبيعة القلوية؛ حيث أشارت عديدٌ من الدراسات إلى أن تَكرار تناول السوائل القلوية يُسهِم في التخلص من المعادِن السامة الثقيلة مثل الزئبق وغيره من السموم البيئية، حيث تزداد حالة الكرب التأكسدي الضارة في الجسم، مع زيادة تراكم تلك المواد السامة، مع التأكيد على ثباتية درجة الحموضة للجسم والدم ضمن حدودها الضيقة المعروفة.
وقد أكَّدت الدراسات التجريبيةُ على الحيوانات قدرةَ ماء زمزم على التخفيف من حالة التأكسد الضارَّة في أجسام الحيوانات التي تم حقنُها بمادَّة كيماوية مؤكسدة؛ حيث أسهم تناول ماء زمزم على مدى ثلاثة أسابيع في التخفيف من حدة السمية، والتقليل من حالة الكرب التأكسدي الضار في حيوانات التجارب تلك بشكل أكبر بالمقارنة مع الحيوانات التي تم إعطاؤها مياه الشرب العادية.
وفي دراسة أخرى مشابهة على حيوانات التجارب، وباستخدام مركَّب كيماوي ضار للكبد – يعرف بالكربون رباعي الكلوريد CCl4 – أظهرت النتائج أن شرب ماء زمزم للحيوانات المحقونة بذلك المركَّب السام أسهم في حماية الكبد من الأثر الضارِّ له، وفي التقليل من حدة السمِّية، بالمقارنة مع حيوانات التجارب التي تم إعطاؤها ماء الشرب العادي.
وفي دراسةٍ ثالثة على حيوانات التجارب، وباستخدام مسرطن كيماوي خاصٍّ بالقولون؛ أظهرت النتائج قدرةَ ماء زمزم على حماية الحيوانات المحقونة بمسرطن كيماوي، على التخفيف من حدة التسرطن، وتثبيط نمو الأورام الخبيثة، وتفعيل الجينات المثبطة للتسرطن، وتثبيط الجينات المشجعة على التسرطن.
ومؤخرًا أظهرت دراسةٌ حديثة قدرةً عاليةً لِماء زمزم على الوقاية من التأثير السمِّي لأشعة جاما، التي تم تسليطها على نخاع العظم لحيوانات التجارب، بالمقارنة مع الحيوانات التي تعرضت لأنواع أخرى من الماء، وقد دفعت نتائج تلك الدراسة إلى التوصية بإعطاء ماء زمزم لمرضى السرطان الذين يتلقَّون العلاج الإشعاعي للتخفيف من الآثار السلبية للإشعاع الذي يتعرَّضون له، وكذا لسكَّان المناطق الذين يقطنون في مناطق ذات نشاط إشعاعي زائد؛ حمايةً لهم من الآثار السلبية المحتملة للإشعاعات.
أما الدراسات السريرية على الإنسان، فهي قليلة جدًّا إذا ما قُورِنت بالحجم الكبير لاستهلاك هذا الماء المبارك، وحجم التعاطي الطبِّي مع ماء زمزم في المجالات الطبية -العلاجية منها والوقائية- اعتقادًا بالقدرة الاستطبابية للماء، وتصديقًا للحديث النبوي الشريف: (شفاء سقم).
ومن بين تلك الدراسات السريرية القليلة ما أجراه الباحثون في جامعة الدمَّام – السعودية، على مجموعة من مرضى السُّكَّري النوع الثاني؛ حيث أظهر تناول ماء زمزم على مدى شهرين بمعدَّل لتر واحد يوميًّا، أظهر قدرةً على التخفيف من حالة التأكسد في الجسم، وخفضًا لمؤشِّر السكر طويل الأمد، المعروف بالسكر التراكمي HbA1c، بالمقارنة مع مجموعة أخرى من المرضى تم إعطاؤهم ماء الشرب العادي.
وأخيرًا، ونظرًا لاحتواء ماء زمزم على كميات معتبرة من عناصر الليثيوم والكالسيوم والمغنيسيوم والزنك، فقد تم اقتراح إدراج ماء زمزم في العلاجات المحتملة لمرضى الإدمان على المخدِّرات؛ حيث تظهر الدراسات العلمية قدرةَ تلك العناصر المعدِنية على التخفيف مِن حدة الإدمان لدى المتعاطين، وهو ما يجعلُ مِن ماء زمزم مرشحًا كمصدرٍ طبيعي آمن ورخيص الثمن لتلك العناصر المعدنية المفيدة.
وختامًا، فهذا ملخَّص لأبرز ما نُشِر من الأبحاث العلمية الحديثة حول ماء زمزم، أوردتُها للقارئ الكريم رغبةً في دحض الكثير من الأقاويل والادعاءات التي لم أُشِرْ إليها، واكتفيت بذكرِ الصحيح منها، والمستند إلى حقائق العلم ومخرجات الأبحاث، وبعيدًا عن التهويل والمبالغة؛ رغبةً في ترشيد النظر إلى الماء المبارك، وترسيخًا لمبدأ التعامل مع نصوص الكتاب والسُّنة ضمن معطيات العلم ووَفْق قوانين الطبيعة ونواميس الكون، مع التأكيد على مبدأ هام يتعلق بماء زمزم وغيره من الأمور التعبدية؛ أن الاعتقاد بهذه الشعائر والعبادات لا يرتبط بالدليل الطبي الحديث، وأن الإيمان بالغيب وما ينتج عنه من عوامل الاستقرار الروحيِّ والنفسي وحفظ النفس والجسد من التلف – لَهِيَ أعظم الدلائل على صدق الوحي وعظمة الرسالة، وأن ما يذكر من حقائقَ علمية حول تلك الشعائر التعبُّدية لا يمكن الخروج به عن قوانين الطبيعة وسنن الكون التي أودعها الله تعالى في خلقه، وأن ذكر الحقائق العلمية والفوائد الطبية إنما يُعزِّز الحكم الشرعيَّ، ويدلل على أن الشارع الحكيم لم يُقِرَّ إلا ما فيه الخير للإنسان، “وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ” (المائدة: 50).
المصدر: بتصرف يسير عن شبكة الألوكة الثقافية
[ica_orginalurl]